الشهيد راجح لبوزة
فتيل ثورة أكتوبر وشهيدها الأولكثيرة هي الأسماء التي دونت
على مسودة التاريخ عبر مسيرة النضال المختلفة التي خاضها اليمنيون ضد
القوى الاستعمارية والملكية المستبدة في شطري اليمن، غير أن هناك أسماء
نسجت أحرفها من ذهب ودونت بأحرف ناصعة على صفحات التاريخ لتظل الأجيال
تقرأها وتحنو لها الجباه إجلالاً عند كل ذكرى؛ من هذه الأسماء المناضل
والشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة أسد ردفان وفارس الثورة الأكتوبرية الذي
استطاع أن يشعل فتيل الثورة من جبال ردفان في صباح الرابع عشر من أكتوبر
من عام 1963م هو ومجموعة من رفاقه الذين قدر عددهم بسبعين شخصاً تم
توزيعهم إلى أربع مجموعات.. قاد لبوزة وابنه بليل اثنتين منها، واستطاع
لبوزة ورفاقه المناضلون منع تقدم القوات البريطانية التي ترافقها الدبابات
والمدافع والطائرات وأجبروها على التراجع، ويذكر محمد عباس ناجي الضالعي
في كتابه (حقائق جديدة عن الانطلاقة الأولى لثورة 14 أكتوبر أن القوات
البريطانية لم تستطع التقدم متراً واحداً أمام ضراوة القتال والاستبسال
اللذين أبداهما المرابطون في ردفان وبعد ساعات من القتال استشهد راجح
لبوزة في هذه المعركة متأثراً بشظايا قذيفة اخترقت جسده ليكون أول شهيد في
معركة الذود عن الوطن، والتي انطلقت من جبال ردفان لتعم بعدها كل أرجاء
الجنوب المحتل، ودخلت الثورة باستشهاد لبوزة مرحلة جديدة من النضال ضد
المستعمر. فبعد أيام من استشهاد راجح لبوزة تفجرت المعارك من جديد بين
القوات البريطانية وجبهة ردفان وألحقت بالقوات البريطانية خسائر فادحة،
مما حدا بالقوات البريطانية إلى استخدام أسلحتها البرية والجوية في قصف
مناطق ردفان دون تمييز وقتلت عشرات النساء والأطفال في هذا القصف، وبعد أن
عجزت قواتها المتمركزة في العند والضالع وعدن من إخماد الثورة من ردفان
استقدمت فرقة عسكرية متكاملة من القوات الخاصة المتمركزة في جنوب أفريقيا
يطلق عليها فرقة الشياطين الحمر، وهي فرقة مدربة على القتال في المناطق
الجبلية، والمسالك الوعرة.
وتوسع نطاق الثورة حيث تم فتح جبهة الضالع والشعيب ودثينة والصبيحة، وعدن، وغيرها من الجهات لتشمل الثورة كل أرجاء الجنوب.
وبعد مرور ستة أيام على إذاعة بيان أصدرته وزارة الإرشاد القومي والإعلام
في حكومة اتحاد الجنوب أعلن فيه نبأ استشهاد المناضل "لبوزة" ومرور تسعة
أيام على استشهاد لبوزة أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني
المحتل في (23) أكتوبر 1963م بياناً أعلنت فيه قيام الثورة من أعلى قمم
ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل
أشكاله وصوره.
وشاركت الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.
وبعد أن تشعبت المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتد
إلى 12 جبهة، وأعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها؛
حيث يصبح العمليات التفجيرية وطلقت الرصاص بسألة المقاومة صدى إعلامي
عالمي يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه. وقد شكل نقل العمل العسكري
إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً
وعربياً، ودولياً، بل شكل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين
اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة
عامل إرباك للقوات الأجنبية؛ حيث عمل على تحقيق الضغط على الجبهات الريفية
المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد الجبهة القومية
لنشاطها النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب.
وتطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً
العمليات الفدائية؛ حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي
اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في التواهي وحادثة مطار
عدن التي قتل فيها مساعد المندوب السامي البريطاني في عدن، وإصابة المندوب
السامي، وعدد من مساعديه أثناء توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم إلى
لندن.. كما ظهرت عمليات فدائية جديدة؛ حيث كان منفذ العملية هو الذي يحدد
الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات
نجاحها؛ حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيون، خصوصاً بعد
مقتل "هيري ييري" رئيس المخابرات البريطانية في عدن و"آرثرتشارلس" رئيس
المجلس التشريعي.
وهكذا وجد البريطانيين أنفسهم بين كما شة من النار والرصاص بفعل المقاومة
الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ورجاله، وأخذت أشكالاً عدة كما أن الدعم
الدولي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً
ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً
وهو إلى متى البقاء في وجه الطوفان.
وبعد سنوات من النضال البطولي الذي أبداه أبناء الجنوب وبمساندة من النظام
والثوار في الشمال، اضطرت بريطانيا أن تعلن رحيلها عن جنوب اليمن وتمنحه
الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، لكن راجح غالب لبوزة الذي
استشهد في جبال ردفان يظل فتيل الثورة وفارسها المقدام، وبفضله وبسالته
وشجاعة رفاقه استطاع طوفان الثورة أن يعم كل مناطق الجنوب. ويبقى أن تشير
إلى أن لبوزة مفجر ثورة 14 أكتوبر كان شارك في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر
في شمال الوطن مع نفس المجموعة التي فجر بها ثورة أكتوبر، ولم يقتصر دوره
على النضال في الجنوب فقط، بل كان له نصيب في مطاردة فلول الملكية
وأذيالها من خلال تنقله بين المحابشة وتعز، وإب، لمساندة الثوار في شمال
الوطن.