هل المرأة ضحية حاجاتها العاطفية؟
--------------------------------------------------------------------------------
سمعنا قبل أسابيع قصة امرأة متزوجة ولديها أطفال فرّطت في شرفها حينما ذهبت مع شاب أجنبي عنها في سيارته وانتهت نهاية مؤسفة حينما حصل لهما حادث فارقت فيه تلك المرأة الحياة. وقرأنا كذلك قصة امرأة تستحق أن تتزوج رجلا يناسبها؛ ولكن عاطفتها دفعتها للتعرف عن طريق الشات على رجل كان متزوجا وقتها ثم هجر زوجته، وسبق أنه طلق وعنده أطفال. ولكنه استطاع بلغته العاطفية أن يغرّر بتلك الفتاة ثم تزوجها مُخفيا عنها وعن عائلتها أسراره وتاريخه مما تسبب في وجود مشكلات لا نهاية لها وبخاصة أنها أنجبت منه أطفالا. ونسمع باستمرار قصص نساء يتعلقن برجال عن طريق النت أو الهاتف ويضحين بما يملكنه من زوج أو أسرة. والنتيجة في النهاية هي دمار الأسرة القائمة والفشل في بناء أسرة جديدة؛ وما يترتب على ذلك الاضطراب من انهيار القيم الأخلاقية التي تحكم الحياة الأسرية.
وهذه القصص بدأت تتفشى في المجتمع مع السنوات الأخيرة بشكل أكثر مما كانت عليه الحال فيما قبل. ومن هنا نتساءل عن السبب وراء تفشي هذه الظاهرة وبروزها على السطح حتى لم يعد مستغربا أن تكون مدار حديث كثير من الناس.
من المهم التوضيح بأن المرأة بحاجة للعاطفة مثلها مثل الرجل، لأن العاطفة تضمن خلق توازن في الحياة. ولكن ربما تتفوق المرأة على الرجل بسبب ظروف حياتها اليومية وما تواجهه من ضغوط العمل في المنزل وتربية الأطفال وغير ذلك من متطلبات الحياة الكثيرة على عاتقها مقارنة بالرجل. وليست المرأة العربيه فريدة في هذا الشأن، بل إن حاجة المرأة للعاطفة هي صفة عالمية للمرأة في أي مكان. وتختلف النساء في ذلك بحسب تنشئتهن الاجتماعية وطفولتهن. فالمرأة التي عاشت طفولة محرومة من حنان الأم أو عطف الأب، ففي الغالب فإن هذه الفتاة ستكبر ولديها شعور بالنقص العاطفي والحاجة إلى الحنان أكثر من الفتاة التي تنشأ في أسرة مستقرة مع والديها كليهما بحيث يبادلانها الحب والعطف فتعيش معهم براحة واستقرار.
ولابد من التنبيه إلى أن تلبية حاجة المرأة العاطفية ليست مربوطة بالرجل بشكل دائم، ولكن الرجل حينما يكون هو الزوج فإنه يعتبر من أقرب وأجدى العناصر؛ لأن مساعدته لزوجته عاطفيا تمثل بنية فعالة في دعمها نفسيا وعاطفيا وعقليا. أما حينما لا يوجد رجل مناسب، أو لا تكون الظروف ملائمة للزوج للمساعدة؛ فإن المرأة المتزنة نفسيا ليست مضطرة للبحث عن رجل آخر يساعدها على تجاوز اضطرابها العاطفي. فهناك وسائل كثيرة تساعد المرأة على الخروج من الاختناق العاطفي و التوتر النفسي، كممارسة الفن والعمل والكتابة والمساهمة في تقديم أعمال تطوعية للمجتمع، وغير ذلك مما يمكن أن يجلب للمرأة الرضا عن النفس وتحقيق نوع من الاستقرار والهدوء.
إن المرأة بحاجة ماسة لوجود جمعيات وجهات تهتم بها وتلبي رغباتها في ممارسة الرياضة والهوايات التي تفضلها. وهذه الجمعيات أو الجهات يجب أن تتوفر في المدن والقرى وفي الأحياء لكي يتيسر للمرأة الوصول إليها بسهولة. أما وجود جمعيات قليلة ومراكز صغيرة فإن الزحام وبعد المواقع يعتبر عائقا أمام تلبية حاجات كثير من النساء اللاتي يشعرن برغبة أكيدة في الخروج من المنزل لبعض الوقت لقضاء وقت حر ثم العودة إلى المنزل وهن في حال نفسية أفضل. لأن الخروج من المنزل إلى مكان آمن فيه مساحة من الفضاء وربما مجال لممارسة بعض الهوايات سوف يتيح فرصة للمرأة للتنفيس عن تصاعد ضغوطات الحياة اليومية وتوتراتها.
إنني مصدوم من عدم وجود أماكن ترفيهية يمكن للمرأة أن تكون فيها حرة ومرتاحة؛ فالمقاهي لا تحوي أماكن مريحة، لأن كل شيء مطوق ومحصور. أما إذا فكرنا في المكتبات العامة النسائية فهي للأسف قليلة ومواعيد دوامها غير مشجعة ثم إنها غير مهيأة للمرأة لكي تقضي فيها جزءا من وقتها. ومن هنا يصبح السوق هو المكان الوحيد الذي تتوقع كثير من النساء أنه مكان مناسب للخروج. ولكن الواقع يبين أن أغلب الأسواق اليوم أصبحت أماكن غير مريحة وغير آمنة للمرأة وبخاصة إذا لاحظنا كثرة المعاكسات التي تسيء للمرأة وتهين كرامتها؛ وهذا يجلب لها مزيدا من التوتر والقلق فتعود للمنزل مغمومة متكدرة الخاطر.
والحقيقة أننا حينما نتأمل عددا من القصص التي تصبح فيها المرأة ضحية؛ سنجد أن العامل العاطفي يلعب دورا رئيسيا في الموضوع. فلم تعد الإغراءات المالية ذات قيمة عالية عند بعض الفتيات اليوم، في مقابل الشعور بالراحة النفسية؛ لدرجة وصل الأمر فيها ببعض الفتيات اليمنيات وغيرهن اللاتي ينتمين إلى عوائل رفيعة وقبائل عريقة أن يقعن في شباك عمال وأناس لا يقتربون من مستواهن الاجتماعي والاقتصادي. والسبب وراء ذلك كله أن هذا الشخص استطاع الإمساك بالمفتاح الصحيح الذي تحتاجه المرأة وهو العاطفة؛ فأغرق عليها كلمات الإعجاب والثناء وبيّن لها حرصه عليها، وكشف عن مهارته في معالجة مشكلاتها ومساعدته لها في التغلب عليها وبذلك تمكن من أن يعرض أمامها نفسه على أنه قادر أن يكون المثال النموذجي للرجل الذي تحلم فيه. وحينما تقتنع المرأة بكلام خيالي كهذا، وتكون تحت وطأة ظروف نفسية وعائلية قاهرة من أهلها إن لم تتزوج ومن زوجها إن كانت في عصمته؛ فمن المتوقع ببساطة أن تنقاد وراء تلك العاطفة وترتكب المحرم لأن عقلها ومعه أخلاقها يكونان في تلك اللحظات في غيبوبة عن رؤية الأمور بشكل واضح وواقعي.
إن المرأة اليمنيه بحاجة أكثر لكي تتعرف على مكوناتها النفسية والعقلية والعاطفية، وأن تثق بذاتها أكثر دون أن تكون عالة على الرجل. ذلك أن شعور المرأة بالاستقلالية والنجاح النفسي في التغلب على الصعوبات سوف يكون دافعا لها للشعور بالقوة والحيوية والتعامل مع الحياة ببساطة لا تضطر معها للدخول في متاهات لا تؤدي إلا إلى المزيد من الألم والخذلان. وبالتأكيد هذا الأمر غير سهل على الكثيرات بل إنه مخيف يبرز وكأنه شيء مرعب يهدد خطر حياة المرأة، لأنهن ولوقت طويل يعشن معتمدات بشكل كلي على الرجل الذي أخذ بزمام الأمور إما بسبب غياب المرأة أو بسبب عدم جدارتها.
مشكلة المرأة اليمنيه العاطفية هي مشكلة متشعبة يدخل فيها أسلوب الحياة العامة من تخصيص أماكن وتحديد فرص للنساء قد لا يكون فيها فائدة بل ربما تجلب الضجر والملل وبعض السلبيات الأخرى. وأيضا يساهم في صنع مشاكلها العاطفية شخصيتها ومستواها الفكري الذي إن لم يكن على درجة عالية من النضج فهو بلاشك سيساهم في لخبطة حياتها بشكل أكبر. وفي حالة انعدام طرق التنفيس البناءة والمفيدة فإن بعض النساء سيبحثن عن طرق أخرى للتنفيس قد تكون خاطئة.
إن المشكلة الحقيقية ليست كيف يمكن القضاء على العرَض، بل يجب اكتشاف الداء ومعالجته ليختفي العرض إلى الأبد. لماذا نحاول معالجة المعاكسات وننسى مناقشة الأسباب التي ساهمت في تشجيع الشباب والنساء على مثل هذه السلوكيات؟