البرادعي والوضع المصري الحرج

في الوقت الحالي بدأ البعض من أبناء الشعب المصري وعدد ليس بقليل من النخب السياسية والثقافية وعدد من التنظيمات الشعبية والجماعات المدنية والأحزاب السياسية بترديد إسم الدكتور محمد البرادعي ، وتحول أسمه الى أيقونة للأصلاح ومناهضة النظام المصري الحالي وتغيير الوضع المأساوي في ام الدنيا بالنسبة لهم ، ولا أبالغ إذا قلت أن جزء من الشارع العربي وخصوصا النخبة منه من الخليج الى المحيط يتابع ويراقب الوضع المصري عن كثب و بحذر ليس لإنه يستطيع الإنتماء او مناصرة فريق أو تنظيم ضد آخر ولكن لإن مصر ليست بالدولة العادية أو الضغيرة ، فمصر دولة مهمة للغاية ليس في الوطن العربي فقط (مصر قاطرة العالم العربي ) ولكن مهمة ايضاً في قارة افريقيا والعالم الاسلامي والعالم الثالث والعالم كله ، فما سوف يحدث في مصر في الوقت الحالي والسنوات اللاحقة سوف يكون له صدى يتعدى حدود مصر ، الله أعلم بنتائج هذا الصدى ؟ .
فالنظام المصري الحالي شاخ ودخل غرفة العناية المركزة ، وتماهى الساسة المصريين (في الحقيقة لا يوجد حالياً ساسة بالمعنى الحرفي للكلمة في الحكومة المصرية والنخبة السياسية في البلد فإهتماتهم ضيقة جدا وتتعلق بالمستوى الشخصي او على اكثر تقدير بالحيز الذين يديرونه في البلد ، فالشأن العام لايشغلهم على الاطلاق ) مع رجال الاعمال المصريين ، وتوغل الفساد في شتى مناحي حياة المصريين المنكوبين ، بل وصل الفساد الى الحيز الخاص من حياة المواطن المصري .
للذلك إنبرى البرادعي لهذا الوضع الكئيب محاولاً تعديل المادة 76 من الدستور المصري التي هي مادة غريبة وتعجيزية للغاية في عالم الدساتير ، فهذه المادة مفصلة تماماً لإبن الرئيس الحالي جمال مبارك لكي يرث عرش مصر الحالي !.
وخطوة البرادعي هذه ذكية جداًمن وجهة نظري ، فمع إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية سنة 2011 يحاول البرادعي عن طريق تعديل هذه المادة 76 فتح باب الترشيح له أو لغيره من المصريين للإنتخابات الرئاسية المقبلة ، فقد تكون هذه الخطوة هي الاولى نحو الإصلاح الشامل في مصر على الرغم من التعقيدات الداخلية في مصر وخارجها . والبرادعي لم يطالب بإلغاء حالة الطوارئ الممتدة في البلاد منذ زمن طويل أو إطلاق الحريات العامة في البلد أو غيرها من المطالبات الكثيرة والمتشعبة في أم الدنيا لكي لايعطي فرصة للنظام للمراوغة ، ولكنه إستغل إقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وأطلق مطالبه التي اتصور انها جاءت في الوقت الصحيح والتي هي ايضاً مطالب واقعية لمن يريد الاصلاح في مصر في هذا الوقت الحرج من عمر مصر الحالي . ولكن لنفترض أن الرئيس الحالي ترشح للرئاسة مرة أخرى (في ظل الدستور الحالي) ليقطع الطريق على البرادعي أوعلى غيره ، وبعد مرور فترة من رئاسته سوف يقوم بتنازل للحكم لأبنه عن طريق إجراء إنتخابات مبكرة (وهذا هو السيناريو المرجح حدوثه حسب عدة مصادر غربية أبرزها مقابلة السفير الاسرائيلي السابق في مصرشالم كوهين مع صحيفة يديعوت أحرونت ) ، ماذا سوف تكون الخطوة التالية للبرادعي وأنصاره ودعاة الإصلاح والتغيير ؟ ، هل سوف تكون إلغاء حالة الطوارئ أو تعديل الدستور أو إطلاق الحريات العامة أو القيام بعصيان مدني يسقط النظام السياسي أو إنشاء "مجلس إمناء الدستور" حسب ماقاله محمد حسنين هيكل ؟ .
في الحقيقة مجئ الدكتور محمد البرادعي إلى مصر ودعوته إلى إصلاح الوضع العام في مصر ، كان بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في مصر الغالية على قلوبنا .