الظروف المحرجة في صعده، والتغييرات الفكرية على إثر اختراق المذهب الجعفري الاثنى عشري لبعض علماء وشباب المذهب الزيدي وأجنحته السياسية والفكرية كان لها تأثير كبير في تأزم خطابهم ورؤيتهم للآخر.. ومن تلك الأمثلة الحركة الصحفية للوالد العلامة علي العماد والتي يُمارسها بمقالات جريئة وحادة على مسارين هما: (الدفاع عن إيران ومذهبها الجعفري، والهجوم المتطرف على السنة باسم "الوهابية")، ولهذه الحركة عواملها الفكرية لاسيما أن ابنيه (عصام والحسن) ممن تحولا إلى المذهب الجعفري وتركا المذهب الزيدي، وقد سبق أن عبّر الوالد العماد عن هذا بأنه لم يُغضبه ذلك مادام وهما يُناصبان العداء لمن يسميهم (الوهابية) ولم يتحولا وهابيين.
وهنا في مقطوعة المقابلة التي نشرتها (إيلاف) العدد الماضي (100) ظهر العلامة علي العماد مضطرباً في مقابلته تارة، وخصماً مذهبياً تارة أخرى.. وسأقف عند بعض الأمثلة بطبيعتي قارئ لاخصماً للمذهب الزيدي، حتى لا يتوهم ذلك الوالد العماد أو غيره كما هي عادتهم في كل من ناقشهم في فكرة أو راجعهم في مسألة بأنه عدوٌ لآل البيت والزيدية، أو يصفوه بالوهابي.. وكوني أقطن جوار بلاده في محافظة إب.. أعرف تاريخ الزيدية وحياتهم العلمية والمذهبية هناك.
الجعفرية أعلم بالمذهب الزيدي من أهله:هنا اقتنعتُ بأن الزيدية كمذهب قد انهارت مقوماته العلمية في اليمن، وصار يتكلم باسمهم من لا يفهم مذهبهم.. هكذا قالها الوالد العماد في المقابلة: (.. وجدت أغلبهم ـ أي علماء الجعفرية ـ يعرف المذهب الزيدي أكثر مما نعرفه نحن الزيدية هنا في اليمن)، وهذه العبارة لها مدلولها الواضح إذ تعبر عن انهيار علمي وفقهي لدى رجالات المذهب، ويُزعجنا أن الوالد العماد لم يحض إلا بلقاء فقط مع آيات الجعفرية.. وأنه لم يتحاور معهم كزيدي وإنما باعتباره مستفيداً من إجاباتهم على قضاياه التي يختلف فيها مع مَن يُبرّئ ساحة المذهب الزيدي من خرافات الجعفرية على حد قوله: (عند أن تكررت كتابات الحاقدين على الزيدية مثل الوهابي مهدي إب، ومثل البتول الذي ليس له مذهب وغيرهما الذين هدفهم الوقيعة بين الزيدية والجعفرية)أ.هـ.
وبهذه العبارة يرسخ الوالد العماد ثقافة التجهيل للزيدية قبل أن يصفهم بأنهم في اليمن لايعرفون عن مذهبهم مثلما يعرفه علماء إيران، وبنفس الوقت يوجِّه عقول أبناء المذهب الزيدي إلى إيران حيث أُخمد المذهب الزيدي في الجيل والديلم، وطُمست آثاره هناك ولم يبق لهم رسم ولا رمز، ولا حتى قولٌ للزيدية على الأقل في حواشي المناهج التعليمية في مدارس وجامعات إيران، ليدل على أنهم إلى اليوم ما زالوا يتعاملون بنفس المذهبية التي كانت قبل (قرون عديدة).
وأنا هنا استغرب كثيراً وبأسف كبير كيف يقبل الوالد العماد قول الجعفرية بأن الخلاف بين الزيدية والجعفرية على حد تعبيره: (قبل قرون عديدة ولظروف خاصة في حينها)؟!!. أين فطنة الوالد العماد حتى غفل أن يسأل آيات إيران عن وجود المذهب الزيدي في جامعات إيران؟ أو يسأله: عن الزيدية في إيران؟! وكنت أتمنى أن يحض علماء الزيدية في إيران بزيارة الوالد العماد ويُخبرنا عن أحوالهم وحركتهم ورموزهم العلمية والسياسية هناك، لكن هذا الكلام لم يكن حاضراً في مقابلته، وأخطر من ذلك أن أبنيه (عصام والحسن) من ضحايا الزيدية بتأثير المذهب الجعفري عليهما سياسياً وفكرياً.
لهذا فالمذهب الزيدي سيبقى ضحية للمتحولين إلى الجعفرية أو الجارودية بمثل هذه الأساليب التمويهية على أبنائه، ومن جهة أخرى إتقان اللعب بورقة التخوف على المذهب الزيدي من المذهب الشافعي أو السلفية، وهكذا قالها الدكتور عبد الكريم الإرياني في مقابلته مع صحيفة البلاغ بطريقة المواساة للمذهب الزيدي.. وإن كان قرار رئيس الوزراء الدكتور الإرياني ـ في حينه ـ بتوحيد المناهج التعليمية هو الذي أزاح المذهب الزيدي رغم صوابية القرار.. ولا يمكن أن نقول بأن الدكتور الإرياني شافعي حارب الزيدية وإن كان فقيه المذهبين، لكن الدولة لا يجوز أن تكون مذهبية، بينما السلفيون يسيرون بحركتهم العلمية وفق معطياتهم العقلية، وبيئتهم الجغرافية دون أن يتعمدوا الانتشار في مناطق الزيدية، وفي حالة حضور المذهب السني في مناطق زيدية فهو عبارة عن قناعات زيدية ذاتية أخذت بالمذهب السني السلفي.. وهذه حالة متكررة لكثير من أعلام وفقهاء الزيدية كالوزير، والأمير، والشوكاني.. وآخرهم القاضي والفقيه محمد بن إسماعيل العمراني حفظه الله.
الشيخ المهدي، والأستاذ البتول ما ذنبها؟!! : هاتان شخصيتان أعرفهما وألتقي بهما ولم أجد منهما ما يقنعني بأنهما من أعداء المذهب الزيدي، وكل ما يكتبانه هو الحفاظ على خصوصية المذهب الزيدي، والتفريق بينه وبين الجعفرية اعتقاداً وفقهاً وسلوكاً، وتحذير أبنائه من الخلط بينهما، وزادت قناعتي بهذا في سماع رأي الشيخ محمد المهدي حول ما قاله العلامة العماد فقال لي: (كل ما أكتبه أنا والأستاذ عبد الفتاح البتول هو خطاب للزيدية المعتدلة، ومحاولة للحفاظ على المذهب الزيدي من اختراق الإمامية الاثني عشرية، وأما من قد تأثر بالإمامية أو كان جارودياً فهو لن يعجبه ما نكتب، فنحن لسنا أعداء للمذهب الزيدي بل ننصح أتباعه وننقل لهم أقوال علمائهم وفقهائهم)، هذا مضمون كلامه، فلا داعي للوالد العماد أن يُصنف هؤلاء من أعداء الزيدية في الوقت الذي يمارس هو بنفسه الخلط بين الزيدية والجعفرية في مرحلة ضعف واختراق جعفري وصفها الدكتور عبد الكريم الإرياني بمقابلته مع (البلاغ) أنها لم تحدث في التاريخ الزيدي من قبل، بل من يزور قرية (الصبار) مسقط رأس الوالد العماد، والقرى المجاورة لها في (الرضمة) يرى أن الوالد العماد في وادٍ، والزيدية في واد آخر، وليسوا معولين عليه بمذهبهم لاسيما أن أخوي العلامة العماد أحدهما ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، والآخر في حزب المؤتمر زيدياً معتدلاً لا يتوافقان معه بميوله للجعفرية أو الجارودية، وهكذا أبناء المنطقة.. فهل هو الزيدي؟ أم أبناء منطقته هم الزيدية؟!، لهذا فالدور الذي يمارسه هو خارج إطار الزيدية عَلم أو لم يعلم.</FONT>