4- تطور المديح النبوي في الشعر العربي القديم:أول ما ظهر من شعر المديح النبوي ما قاله عبد المطلب إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شبه ولادته بالنور والإشراق الوهاج الذي أنار الكون سعادة وحبورا، يقول عبد المطلب:وأنت لما ولدت أشرقت
الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفـــي
النور وسبل الرشاد نختــرق [
3]
وتعود أشعار المديح النبوي إلى بداية الدعوة الإسلامية مع قصيدة "طلع البدر علينا"، وقصائد شعراء الرسول (صلعم) كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير صاحب اللامية المشهورة:بانت سعاد فقلبي اليوم متبـــول
متيم إثرها لم يفـــد مكبـــول
وقد استحقت هذه القصيدة المدحية المباركة أن تسمى بالبردة النبوية؛ لأن الرسول (صلعم) كسا صاحبها ببردة مطهرة تكريما لكعب بن زهير وتشجيعا للشعر الإسلامي الملتزم الذي ينافح عن الحق وينصر الإسلام وينشر الدين الرباني.
ونستحضر قصائد شعرية أخرى في هذا الباب كقصيدة الدالية للأعشى التي مطلعها:ألم تغتمض عيناك ليلـــة أرمدا
وعاداك ماعاد السليم المسهدا
ومن أهم قصائد حسان بن ثابت في مدح النبي الكريم (صلعم) عينيته المشهورة في الرد على خطيب قريش عطارد بن حاجب:إن الذوائب من فهر وإخوتهم
قد بينوا سنة للنـــاس تـــــتبع
ولا ننسى همزيته المشهورة في تصوير بسالة المسلمين ومدح الرسول (صلعم) والإشادة بالمهاجرين والأنصار والتي مطلعها:عفت ذات الأصابــــع فالجــواء
إلى عذراء منـــزلها خــــلاء
ومن أهم شعراء المديح النبوي في العصر الأموي الفرزدق ولاسيما في قصيدته الرائعة الميمية التي نوه فيها بآل البيت واستعرض سمو أخلاق النبي الكريم وفضائله الرائعة، ويقول في مطلع القصيدة:هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيـت يعرفه والحل والحـرم
وقد ارتبط مدح النبي (صلعم) بمدح أهل البيت وتعداد مناقب بني هاشم وأبناء فاطمة كما وجدنا ذلك عند الفرزدق والشاعر الشيعي الكميت الذي قال في بائيته:طربت وما شوقا إلى البيض أطرب
ولا لعبا مني وذو الشوق يلعب
ويندرج ضمن هذا النوع من المدح تائية الشاعر الشيعي دعبل التي مدح فيها أهل البيت قائلا في مطلعها:مدارس آيات خلـــت من تلاوة
ومنزل حي مقفـــــــر العرصات
ويذهب الشريف الرضي مذهب التصوف في مدح الرسول (صلعم) وذكر مناقب أهل البيت وخاصة أبناء فاطمة الذين رفعهم الشاعر إلى مرتبة كبيرة من التقوى والمجد والسؤدد كما في داليته:شغل الدموع عن الديار بكاؤنا
لبكاء فاطمــة على أولادها
ويقول أيضا في لاميته الزهدية المشهورة التي مطلعها:راجل أنـــــــت والليالي نزول
ومضر بك البقــاء الطويـــل
وللشاعر العباسي مهيار الديلمي عشرات من القصائد الشعرية في مدح أهل البيت والإشادة بخلال الرسول (صلعم) وصفاته الحميدة التي لاتضاهى ولا تحاكى.
ولكن يبقى البوصيري الذي عاش في القرن السابع الهجري من أهم شعراء المديح النبوي ومن المؤسسين الفعليين للقصيدة المدحية النبوية والقصيدة المولدية كما في قصيدته الميمية الرائعة التي مطلعها:أمن تذكر جيــــــران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلــــة بـــدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
وأومض البرق في الظلماء من إضم
وقد عورضت هذه القصيدة من قبل الكثير من الشعراء القدامى والمحدثين والمعاصرين، ومن أهم هؤلاء الشعراء ابن جابر الأندلس في ميميته البديعية التي استعمل فيها المحسنات البديعية بكثرة في معارضته الشعرية التي مطلعها:بطيبة انزل ويمم سيـــد الأمم
وانشر له المدح وانثر أطيب الكلــــم
ومن شعراء المديح النبوي المتأخرين الذين عارضوا ميمية البوصيري عبد الله الحموي الذي عاش في القرن التاسع وكان مشهورا بميميته:شدت بكم العشاق لما ترنموا
فغنوا وقد طاب المقام وزمزم
ومن الشعراء الذين طرقوا غرض المديح النبوي الشاعر ابن نباتة المصري، فقد ترك لنا خمس قصائد في المديح النبوي كهمزيته التي مطلعها:شجون نحوها العشاق فاءوا
وصب مالـــــه في الصبر راء
ورائيته التي مطلعها:صحا القلب لولا نسمة تتخطر
ولمعة برق بالغــــــضا تتسعر
وعينيته التي مطلعها:يا دار جيرتنا بسفح الأجــــرع
ذكرتك أفواه الغيوث الهــــمع
ولاميته التي مطلعها:ما الطرف بعدكم بالنوم مكحول
هذا وكم بيننا من ربعكم ميــل
والميمية التي مطلعها:أوجز مديحك فالمقـــــام عظيم
من دونـــه المنثور والمنظوم
5- شعر المديح النبوي في الأدب المغربي والأندلسي:إذا انتقلنا إلى الأدب المغربي لرصد ظاهرة المديح النبوي، فقد كان الشعراء المغاربة سباقين إلى الاحتفال بمولد النبي (صلعم) ونظم الكثير من القصائد في مدح الرسول (صلعم) وتعداد مناقبه الفاضلة وذكر صفاته الحميدة وذكر سيرته النبوية الشريفة وذكر الأمكنة المقدسة التي وطئها نبينا المحبوب. و كان الشعراء يستفتحون القصيدة النبوية بمقدمة غزلية صوفية يتشوقون فيها إلى رؤية الشفيع وزيارة الأمكنة المقدسة ومزارات الحرم النبوي الشريف، وبعد ذلك يصف الشعراء المطية ورحال المواكب الذاهبة لزيارة مقام النبي الزكي، وينتقل الشعراء بعد ذلك إلى وصف الأماكن المقدسة ومدح النبي (صلعم) مع عرضهم لذنوبهم الكثيرة وسيئاتهم العديدة طالبين من الحبيب الكريم الشفاعة يوم القيامة لتنتهي القصيدة النبوية بالدعاء والتصلية.
ومن أهم الشعراء المغاربة الذين اشتهروا بالمديح النبوي نستحضر مالك بن المرحل كما في ميميته المشهورة التي يعارض فيها قصيدة البوصيري الميمية [
4]:شوق كما رفعت نار على علم
تشب بين فروع الضال والسلـــم
ويقول في قصيدته الهمزية مادحا النبي (صلعم) [
5]:إلى المصطفى أهديت غر ثنائي
فيا طيب إهدائي وحسن هدائي
أزاهير روض تجتنى لعطـــارة
وأسلاك در تصـــــطفى لصفاء
ونذكر إلى جانب عبد المالك بن المرحل الشاعر السعدي عبد العزيز الفشتالي الذي يقول في إحدى قصائده الشعرية [
6]:محمد خير العالميــن بأســرها
وسيد أهل الأرض م الإنس والجان
أما القاضي عياض فقد خلف مؤلفات عديدة وقصائد أغلبها في مدح الرسول (صلعم) والتشوق إلى الديار المقدسة كما في قصيدته الرائية [
7]:قف بالركاب فهذا الربع والدار
لاحـــت علينــــــا من الأحباب أنوار
ومن شعراء الأندلس الذين اهتموا بالمديح النبوي وذكر الأماكن المقدسة لسان الدين بن الخطيب الذي يقول في قصيدته الدالية [
8]:تألق "نجديا" فاذكرني "نجدا"
وهاج لي الشوق المبرح والوجدا
وميض رأى برد الغمامة مغفلا
فمد يدا بالتبــــــــر أعلمت البردا