يمن عظيم هذا الذي يصلّي فيه الحوثي ومجند الفرقة أولى جنباً إلى جنب وقد كانا بالأمس يتقاتلان. السلفي وخريج جامعة الإيمان يصلّي المغرب والعشاء جمعاً على مذهب الإمام زيد. طه المتوكل يؤم القميري، وزوامل أحمد المنيعي تتجاور مع شباب الراب والجيتار. إنه يمن مختلف. يمن حقيقي. حتى القبائل الذين قل ما ينسون ثاراتهم قدموا النموذج الأعظم لدرجة أن المسافة بين مخيم العصيمات ومخيم حرف سفيان، وبينهما دم وعداوة، لا تتعدى 25 متراً.
ومع هذا، وبرغمه، ما يزال السؤال ملحاً: لماذا طالت الثورة اليمنية؟
قلنا من أجل التعايش، ورب ضارة نافعة إنما يبدو هذا على أرض الواقع مقلقاً. فالذين في الساحة يغرقون كل يوم في قضايا الساحة وخلافاتها والرئيس يستجمع أنفاسه وقواه، كل يوم، ويوسع هامش المناورة لديه. والدليل أن ثورتنا تحولت في المبادرة الخليجية إلى أزمة سياسية.
اهتديت إلى إجابة مقنعة، أقلها لي شخصياً، وأنا استعيد ألبرت اينشتاين الذي قال: "إن أصغر ثقبٍ قادر على إفراغ أكبر كوب". نعم هذه هي العلة. لقد اكتملت أسباب نجاح الثورة اليمنية ولكن هناك ثقب يُفرغ الكوب كلما أوشك على الامتلاء. وبالأحرى هي 3 ثقوب: الأول سياسي وجوهره أن أداء المعارضة وإن كان جيداً إلا أنه ليس بمستوى الثورة ومدِّها العالي، ولا بمستوى خبث ودهاء نظام علي صالح. وبالتالي على اللقاء المشترك وشركاؤه (أقصد على اللجنة التحضيرية والمشترك حتى لا يقال قدمت المبتدأ على الخبر!!) أن يدركوا أنه لا يفلُّ الحديد إلا الحديد.
الثاني تنظيمي، داخل الساحات، يختزله وعي عامة الناس والأغلبية الصامتة والمحايدة من الشعب بتفكيرهم الفطري في مثال بسيط: "إذا لم يتفقوا على المنصة فهل سيتفقون غداً على البلاد ومقدراتها"؟ وقد والله صدقوا.
الثالث إعلامي: أن يستطيع علي عبدالله صالح جمع هذه الحشود، وقد كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، فهذا يعني أن الرجل قد امتص الصدمة ولو لبعض الوقت، وأن الأداء الإعلامي للثورة غير ناجح (حتى لا أقول فاشل).
لقد أنجز اليمنيون جميعا أكثر من 75% من ثورتهم. بقيت تكتيكات صغيرة الحجم كبيرة الأثر. كنا حماسيون إلى أقصى حد وهذا خدم الثورة. الآن وقت الذكاء والحنكة. لكن بدلاً من أن يقوم الخطاب الإعلامي للثورة بتطمين المؤتمر والقوى الفاعلة في البلد لتفكيك من حول الرئيس يقوم بالعكس: يدفعهم للاستماتة حوله والذوذ عنه حتى آخر لحظة. بدلاً من أن يقوم خطاب ساحة التغيير باستعطاف من هم في السبعين، وإغرائهم بأخلاقها وتنوعها وتسامحها نقوم بالعكس: نصف تلك الحشود الكبيرة بالمرتزقة والبلاطجة (وفيهم بلاطجة ومرتزقة طبعاً لكن التعميم كارثي ومعيب). بل والأسوأ قيام مراكز القوى بتصفية حساباتها مع الخصوم. على سبيل المثال: عندما وقعت مجزرة ملعب الثورة وسالت دماء الشهداء الطاهرة التي ستحرر اليمن، بث شريط قناة سهيل الإخباري إن جليدان محمود جليدان، الذي كان سينافس الشيخ عبدالله في الانتخابات البرلمانية، هو من يقود البلاطجة بينما كان الرجل يومها "مخزن" في مقيل رئيس منتدى التنمية السياسية علي سيف حسن مع رئيس تحرير النداء سامي غالب وبرفقة الزملاء ماجد المذحجي ومحمد العلائي وسامي نعمان وآخرين: ترى هل من اللائق تصفية الحسابات باسم الثورة؟ أحسب أن هذه القصة مثلها مثل قصة شيكات ياسر العواضي بالضبط. وللأمانة أنا شخصياً ومنذ الأربعاء الفائت بدأت أتعامل بحذر شديد مع أخبار سهيل. الأمر متعلق بنزاهة المعلومة ودقتها.
يجب أن يدرك حميد الأحمر وكافة إخواننا وشركائنا في ساحات التغيير أن الثورة على علي عبدالله صالح ليست ثورة على نظامه السياسي فحسب وإنما هي ثورة بالمقام الأول على سلوكياته برمتها.