الوحدة اليمنية المتعثرة

لم اكن اصدق مايقال عن رغبة اهل الجنوب القوية والملحة في فك ارتباطهم عن يمن الشمال ، والعودة الى انشاء دولتهم القديمة من جديد الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية ، وكنت اعتقد ان من يطالب منهم بفك الارتباط من ابناء الجنوب اليمني هم قلة قليلة لا تمت باي صلة لابناء الجنوب الوحدويين، فقد كان مشروع الوحدة اليمنية حلم يرواد مخيلة ابناء الجنوب اليمني ، وعندما كنت ارى مظاهرات اهل الجنوب عبر شاشات التلفاز في السنوات الاخيرة كنت استهين بها ولا اعيرها اي إهتمام ولا اشعر بقلق حيالها وكنت اعتقد انها مظاهرات مسيرة بالريموت كنترول من قبل تجارالفتن واغلب المشاركون فيها من الهمج العوام ، اما الذين يطالبون بالانفصال من النخبة الحالية الموجودة في الداخل او الخارج فهم ناس فقدوا مصالحهم الضيقة اثناء الوحدة واصحاب مشاريع صغيرة يريدون انشائها على حساب معانة اهل الجنوب المغدورين من قبل التجار الحاليين الذين يتاجرون بالثورة والوحدة معا ، ويبيعون اوهام الاستقلال وحل مشاكل اهل الجنوب عن طريق الانفصال من اليمن الشمالي ، ولكن تغيرت هذه القناعات بشكل كبير جدا عندما نشر المركز اليمني للحقوق المدنية نتائج استطلاع للراي اجريت على مدار سنة كاملة في عدد من المحافظات الجنوبية وكانت نتيجة هذا الا ستطلاع ان %70 من ابناء الجنوب اليمني يطالبون بفك الارتباط عن شمال اليمن بعد يأسهم من قيام السلطة بأي إصلاحات حقيقية وتلبية مطالبهم المشروعة تحت سقف الوحدة اليمنية ، اما الباقي منهم فيطالبون بالفيدرالية والقائمة النسبية كمخرج للازمة الحالية بالاضافة الى مطالبهم باعادة الشراكة على اساس الثروة والارض وليس على اساس السكان ، ياترى ماذا حدث لكم يا اهل الجنوب حتى تكرهون هذه الوحدة الى هذا الحد الغريب ؟ ! .
لاننسى ان علي سالم البيض احد القيادات البارزة في جنوب اليمن السابق كان من اشد المتحمسين لمشروع الوحدة اليمنية وكان متعاطف جدا مع هذا الحلم العظيم لدرجة انه اراد حرق مراحل عملية تاسيس الوحدة والاندماج دفعة واحدة والوصول الى الدولة الواحدة مباشرة ، عكس رغبة قيادات اخرى من الحزب الاشتراكي الذين كانوا يتريثون ويتمهلون في مشروع الوحدة ويطلبون ان تكون عملية تاسيس الوحدة على عدة مراحل كما ذكر الدكتور حيدر العطاس اخر ريئس وزراء لليمن الجنوبي في برنامج زيارة خاصة عرض على قناة الجزيرة الفضائية .
وقد ذكر الشيخ عبدالمجيد الزنداني ريئس مجلس الشورى لحزب الاصلاح المعارض في عدد من حوارته الصحفية انه مستغرب جدا و متفاجئ من تغير مزاج ابناء جنوب اليمن إتجاه الوحدة وكرهم وبغضهم لها والسخط عليها بعدما كانوا مناصرين ومحبين لهذا الحلم الكبير .
ولايغيب عن بالنا في الوقت الحالي ان حلم الوحدة اليمنية كان من اولويات النخبة الجنوبية قبل وبعد الاسقلال من التاج البريطاني ، وكان اهتمامهم بها اكثر من النخبة الشمالية ، ففي سنة 1955 نادت الجبهة الوطنية المتحدة التي انفصلت عن رابطة اهل الجنوب بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي التي حرم منها ابناء خارج مدينة عدن وابناء المحافظات الشمالية ، كما تبنت فكرة الوحدة اليمنية الحركة النقابية في عدن التي شكلت في ما بعد حزب الشعب الاشتراكي 1962 الذي تبنى ايضا الفكرة في ما بعد ، وفي يوم استقلال الجنوب القى الرئيس الجنوبي انذاك في مدينة عدن كلمة بمناسبة الاستقلال ومما جاء فيها (الايمان الصادق بوحدة اليمن الطبيعية شمالا وجنوبا) ، وعندما تشكلت اول حكومة وطنية جنوبية 1967 في يوم الاستقلال كانت تضم وزيران من ابناء الشمال هما عبدالفتاح اسماعيل من تعز ومحمود عشيش من البيضاء ، وقد اصبح عبدالفتاح اسماعيل فيما بعد الرجل الاول في الجنوب العربي .
اما على صعيد اليمن الشمالي ، فعند صياغة اهداف الثورة اليمنية سنة 1962 لم نجد ذكر لموضوع الوحدة لا من قريب او من بعيد ، ولم يعين اي وزير جنوبي بعد الثورة مباشرة الا بعد عشر سنوات ، فقد تم تعيين اثنان من ابناء الجنوب هما محمد باسندوة وعبد الله الاصنج سنة 1972 وبعد تعيين هؤلاء تم تعيين اخرجنوبي بعد خمسة عشر في الجمهورية العربية اليمنية هو ناصر العولقي .
والحقيقة المرة ان النخبة الحاكمة في الشمال لم تكن تعير موضوع الوحدة الاهتمام الجاد والكافي ، بل سعت الى ضمه والحاقه وكأنه فرع يجب ان يعود الى الاصل ، ففي سنة 1969 شكلت حكومة صنعاء مجلس وطني يتضمن مقاعد للمحافظات الجنوبية ، وقد قام الرئيس الجنوبي مباشرة بإدانة هذا الاجراء الجائر ويعلن فيها ادانته الشديدة لسياسة الضم والالحاق التي تقوم بها النخبة الشمالية .
وبعد مفاوضات طويلة وشاقة من قبل الطرفين الشمالي والجنوبي تمت الوحدة في 22 مايو سنة 1990 في ظل ظروف دولية جديدة ، اهمها كان كان انهيار الاتحاد السوفياتي الخصم اللدود للولايات المتحدة الامريكية ، وبعد العمر القصيرلهذه الوحدة المتعثرة اندلعت حرب بين شريكا الوحدة سنة 1994 ، فالطرف الجنوبي اراد العودة الى دولته القديمة بعدما راى ان الطرف الاخر يريد الاستحواذ والاستئثار بكل شئ في الجنوب ، وقد تحسست ايضا حكومة صنعاء من الشعبية التي قد يستطيع تكوينها الحزب الاشتراكي في مناطق الشمال خصوصا بعد نجاحه المحدود في مجال الخدمات العامة مقارنة بالشمال في ذلك الوقت ، وقد كان المستوى الحضاري للجنوب مقارنة بالشمال ارقى وافضل .
وبعد انتصار الشمال على الجنوب سنة 1994 ، دخل الشماليون بعقلية المنتصر واعتبروا الجنوب غنيمة حرب فمارسوا عملية النهب للمؤسسات العامة ، وقد قاموا بسرقة اراضي واسعة وشاسعة من اراضي الجنوبيين ، وقد اقاموا كثير من المعسكرات والثكنات المنتشرة في ارجاء الجنوب كأنها اراضي اجنبية لدول اخرى ، وسرقة إيرادات النفط والغاز ، بل مارس بعض جنود الشمال ممارسات يأبى اي جندي ملتزم باخلاق العسكر فضلا عن الاسلام ان يقوم بها ، فقد قاموا بسرقة الممتلكات والاشياء الخاصة للمواطنين الجنوبيين ، وقاموا بتسريح اعداد كبيرة من الجنود والضباط من ابناء الجنوب من الخدمة العسكرية وإحالة البعض الاخر الى التعاقد ، وقد قام هؤلاء بالمظاهرات والاحتجاجات في 2007 ، وقد كانت مطالب هؤلاء في ذلك محدودة وهي إرجاعهم الى السلك العسكري خصوصا انهم عاطلون عن العمل و الاوضاع المعيشية والاقتصادية في ذلك الوقت كانت تتردى بشكل متسارع على مستوى ارجاء الجمهورية اليمنية وهذا مادفعهم الى المسيرات والاعتصامات على امل ان ظروفهم تتحسن ، السلطة تجاوبت مع عدد محدود وقليل جدا لذر الرماد في العيون وخداع وتضليل الراي العام في الداخل والخارج ، للذلك عندما وجدوا ان الدولة لا تستجيب لهم صعدوا من مطالبهم وطالبوا بفك الارتباط عن الشمال على امل ان تحل مشاكلهم بهذه الطريقة ، ودخلت اطراف اخرى فى هذه الظروف مثل الشباب العاطلين على العمل ، واصحاب الاراضي المسروقة والمنهوبة ، وابناء السلاطين السابقين الذين يحلمون بإعادة نظام السلطنة ، وقيادات سابقة من الجنوب كانت صامتة حينا من الدهر الان بدات تتكلم عن مظالم الجنوبيين في الفضائيات ، قد يكونوا شعروا انها فرصة مواتية لهم لإعادة دولتهم من جديد خصوصا ان اليمن اصبح في عداد الدول الفاشلة وهم ينتظرون لحظة الفشل ! .
للاسف تجاهل السلطة في صنعاء لمطالب العسكر المنقطعين عن الخدمة العسكرية منذ حرب 94 في مظاهراتهم الاخيرة ، وسياسة الاهمال والامبالة إتجاهم في الجنوب وعدم معالجة اخطاء حرب 94 فاقم من الاوضاع هناك ، فبعد ما كانت مطالبهم واضحة ومحددة اصبحت الان مطالبهم الانفصال والرفض للوحدة ، حيث اصبحت المظاهرات والاضطرابات نشاط اساسي في الشارع الجنوبي ، والناس يقومون الان برفع الاعلام الجنوبية وصور القادة الجنوبيين والاعتداء على محلات و سيارات الشماليين وطردهم من بيوتهم ، وانتشرت المناطقية بين ابناء الشعب الواحد .
لعل مطالب الجنوبيين بفك الارتباط عن الشمال هي حالة احتجاج وسخط وغضب على اوضاعهم المتدهورة والسيئة للغاية اكثر منها مطالب انفصالية ، فكثير منهم للاسف لم يستطيعوا ان يحققوا احلاهم في ظل الوحدة ، واصبح هذا الحلم مع مرور الايام الى كابوس مزعج ارادوا التخلص منه عن طرق الانفصال بعد غدر بهم اخوانهم المقربين ويئسوا منهم .
فيا ترى لو كانت الوحدة ناجحة وملبية لمطالب الجنوبيين ، هل كانت كل هذه الاضطرابات سوف تحدث ؟.

أنا شخصياُأويد الوحدة على إسس صحيحة و على ثوابت الثورة ، و لكن الثورة الحالية متعثرة ، و تحتاج إلى تصحيح بشكل سريع .

بنت اليمن ، لا نريد أن نكون رومانسيين ، صحيح أن الوحدة جزء من التاريخ اليمني العريق ، و هي ملك لنا ، و لكن الوحدة تحتاج إلى شعب يحافظ و يدافع عليها ، و تحتاج قبل كل شئ إلى حكومة راشدة و نظام رشيد ، فالتاريخ لا يرحم ، و في فرق بين أحلامنا و واقعنا يا بنت اليمن .

علمتني الحياة ، أشكرك على قراء المقالة مرة إخرى ، و يا حبذا لو تقرأ بعض الكتب على الوحدة .

أستاذ علي ، الوحدة قد تنهار ، الوضع في اليمن من سئ إلى أسؤ ، و لا توجد بودار من النخبة الحالية للتصدي للوقوف ضد هذا النظام الجائر ، و أنا خائف ليس على الوحدة فقط و لكن خائف على اليمن ككل .

انا ايضا اشكرك بس اخي ياليت انتا الي تقرا بجد عن االوحده اليمنينه والدما الي راحت فيها

وايش مقوماتها

اشكرك اخ ياسر على الموضوع الحساس عن الوحدة اليمنية
الوحدة اليمنية باقية بقاء الشمس المضيئة ولن ولن تتعثر مادام هناك من هو مستعد ان يرويها بدمة
الانظمة تزول كما ذكرت بموضوعك ولنا عبرة من نظام الاتحاد السوفيتي لكن الوحدة راسخة رسوخ الجبال واصحاب المصالح سيزولون -
من يطالب بفك الارتباط وخان الوحدة العظمى لقد فقد كل شئ حتى تعاطف الاخرين وثقتهم بة ماهو الامطالب بمصالح شخصية وخير دليل زعيمهم الفضلي